وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

بقلم: الأستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي
ما أعذب الحديث عن النعم، وما أروع أن يجري الامتنان على اللسان كما يجري الماء العذب في جدول الحياة، فيروي القلوب ويبعث الدفء في الأرواح! إن شكر النعمة ليس مجرد كلمات تردد، بل هو شعور يسري في العروق، يُترجم إلى أفعال، ويظهر في المواقف النبيلة.
حين يغمرنا الله بعطاياه، فإن أولى بنا أن نلهج بحمده، لا رياءً ولا تباهيًا، بل استشعارًا لعظيم فضله، كما قال أحد الحكماء: “إذا كنت في نعمةٍ فاحمد الله، فإن الشكر قيدٌ للنعم.” فالنعمة التي تُشكر تدوم، والتي تُنكر تزول.
وكما يجب شكر الله، فإن شكر الناس لا يقل شأنًا، فقد قيل: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله.” تخيل رجلًا أهداه صديق هدية، فلم ينبس ببنت شفة، ولم يُظهر امتنانًا، أكان ذلك من المروءة؟ لا والله! بل الكريم يعترف بفضل غيره، فينطق بجميل القول، ويثني على صنيعه، فيكون الشكر عربون محبة، وتقديرًا يزيد المودة قوةً ورسوخًا.
إن النفوس العظيمة لا تخشى ذكر فضل الآخرين، بل تتلذذ بذلك، لأنها تعرف أن العطاء يزهر حين يُروى بماء الامتنان. وقديماً قيل: “الشكر أجمل ما يكون عندما يأتي قبل الطلب وبعد العطاء.” فإذا أسدى إليك أخ أو صديق معروفًا، فلا تبخل عليه بجميل الثناء، فإن الكرم ليس مجرد عطاء مادي، بل هو كلمات طيبة تسكن القلوب، وتترك أثرًا لا يُمحى.
وفي الحياة دروس وعبر، منها أن من تعود شكر النعم، زاده الله منها، ومن اعتاد إنكارها، حُرم الخير ولو كان بين يديه، وقد قالوا في الحكمة: “النعم إذا شُكرت، زادت، وإذا كُفرت، فنيت.” فلتكن كلمات الشكر حاضرة على لسانك، ولتكن مشاعر الامتنان خفاقة في قلبك، واذكر فضل الله عليك، وفضل الناس، فإن في ذلك بركةً للنفس، وسلامًا للروح، ونورًا في الحياة.