أخبارفي الصميم

النفوذ الروسي يتمدد في السودان

بقلم:  روبرت روتبرج**

  الحكم العسكري لا زال حياً وبصحة جيدة في جميع أنحاء إفريقيا – وهو مدعوم بقوة من روسيا فلاديمير بوتين. ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر مما هو عليه في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي حيث تقوم مجموعة فاغنر من المرتزقة الروس التي يشرف عليها الأوليغارشية المقربة من بوتين بحماية الرؤساء وتنضم إلى قوات الأمن المحلية في قمع المنشقين. ما يحدث في أفريقا ليس بعيداً مما يحدث في السودان حيث يقال إن فاغنر يتعاونون مع الجنرالات القمعيين الذين أطاحوا برئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك في أكتوبر الماضي. والآن وسط غزوها لأوكرانيا تتطلع روسيا إلى توسيع مدى وصول سفنها الحربية على شواطئ السودان.

  وقبل ثلاث سنوات وسط نقص الغذاء وارتفاع الأسعار احتشد عشرات الآلاف من المهنيين والطلاب المتظاهرين في العاصمة السودانية الخرطوم وأجبروا عمر البشير الذي وجهت إليه اتهامات بارتكاب جرائم حرب بعد قيامه بالتطهير العرقي في إقليم دارفور في غرب السودان التخلي عن كرسي الحكم بعد 30 عاما في السلطة. وقام اثنان من جنرالات البشير وهما اللواء عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو بإلقاء البشير في السجن وحل محله تحالف الحرية والتغيير الفضفاض ولكن في أكتوبر الماضي أطاح الجنرالات بحمدوك وتولوا المسؤولية.

  وكان أحد الأسباب الرئيسية لانقلاب أكتوبر هو خوف القادة العسكريين من أن يحرمهم الحكام المدنيون من عائدات الفساد التي يتربحونها من مشاريعهم التجارية العديدة. فمبيعات الذهب – التي تشكل 50 في المائة من عائدات صادرات السودان – بالإضافة إلى عائدات أعمال النقل بالشاحنات وصادرات الماشية إلى المملكة العربية السعودية ومصر ، وكيانات البناء ، ومصانع الأسمنت ، وشركات الأدوية المهيمنة في السودان كلها تثري جيوب شخصيات ومؤسسات من خلال العمولات المشبوهة والعقود المبطنة. وذكرت منظمة سينتري وهي منظمة غير حكومية مرموقة مقرها واشنطن أن العمليات التجارية العسكرية فاسدة إلى حد كبير حيث يدفع عدد قليل من القادة الضرائب.

  وخلال الأشهر الستة الماضية عاد المتظاهرون إلى شوارع الخرطوم مطالبين بعودة الديمقراطية مدفوعين بتدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدل التضخم السنوي في السودان والذي وصل إلى أكثر من 260 في المائة بجانب وفاة أكثر من (90) متظاهراً على يد النظام القمعي وجرح الآلاف منذ بداية عام 2022م وحتى الآن.

  في غضون ذلك وقف بوتين إلى جانب البرهان وحميدتي الذي تحدث مطولاً خلال زيارته الأخيرة لروسيا إلى مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن منشأة بحرية جديدة تسعى موسكو إلى بنائها في بورتسودان على البحر الأحمر أحد أنشط ممرات الشحن البحري في العالم ، قاعدة إذا تم الاتفاق على إنشائها ستمنح لروسيا لأول مرة نفوذاً أسفل المدخل الجنوبي لقناة السويس وفي منتصف الطريق إلى خليج عدن والمحيط الهندي في وقت لا تريد فيه الولايات المتحدة والقوى الأخرى في العالم أن تتعدى روسيا على ممرات الشحن المهمة هذه خاصة في أعقاب غزوها لأوكرانيا لكن حميدتي أكد أنه منفتح على المشروع الذي بدأ في عهد البشير.

  وليس من المستغرب أن يكون السودان من بين 35 دولة امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا فحميدتي في زيارته الأخيرة إلى موسكو ناقش شروط اتفاق تقاسم الأرباح الذي يقال إن روسيا تستخرج الذهب بموجبه الودائع الفخمة بالقرب من بورتسودان.

ويعتبر حميدتي زعيم مجموعة قوات الدعم السريع شبه العسكرية، والتي كانت مسؤولة عن الكثير من أعمال العنف الأخيرة ضد المتظاهرين بين عامي 2003 و 2010 ، وقاد أيضًا ميليشيا الجنجويد ، التي ارتكبت انتهاكات موثقة لا حصر لها لحقوق الإنسان ضد المدنيين في دارفور واعتقد أنه إذا تم تسليم السيد البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية فمن المحتمل أن يكون متورطًا في جرائم سلفه.

  لا يزال المفاوضون في الأمم المتحدة والولايات المتحدة يأملون في أن يتمكنوا من إعادة السودان إلى الانسجام مع الغرب وذلك لتجميد المصالح الروسية المتزايدة في المنطقة بشكل فعال. كما يأمل المفاوضون في عودة السودان إلى الديمقراطية ولكن المناشدات الدبلوماسية قد تتعثر بسبب ضباب الطموحات الشخصية وخطط الإثراء لأمثال بوتين وحميدتي.

**الكاتب “روبرت روتبرج” المدير المؤسس لبرنامج كلية هارفارد كينيدي حول الصراع داخل الدول ، و الرئيس الفخري لمؤسسة السلام العالمي.

المصدر: موقع “قلوب أند ميل”

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button