
حاوره: عبدالسلام العزوزي
يُخلَّد العالم في السادس من أبريل من كل سنة، اليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام. وبهذه المناسبة أصدرت “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضة” بياناً قوياً دقّت فيه ناقوس الخطر حول تنامي مظاهر الفساد داخل بعض الجامعات الرياضية بالمغرب، مشددة على ضرورة إصلاح شامل للمنظومة الرياضية بما يضمن الشفافية، النزاهة، والحكامة الجيدة.
وفي هذا السياق، التقت”الحدث الإفريقي” برئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضة، المحامي والفاعل الحقوقي زهير أصدور، لاستجلاء موقف الهيئة من واقع الرياضة الوطنية، لتسليط الضوء على أبرز أشكال الفساد التي تم رصدها، واستعراض المقترحات التي تقدمت بها الهيئة من أجل إرساء قواعد سليمة للتسيير الرياضي في المغرب.
في هذا الحوار الصريح و الشفاف، يكشف لنا رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضةعن جوانب مسكوت عنها في مجال التدبير الرياضي ببلادنا، ويدعو إلى فتح نقاش وطني حول آليات التطهير والإصلاحالشامل والصارم.
ما هي أبرز أشكال الفساد الرياضي التي ترصدونها حالياً في المغرب؟
أبرز الأشكال التي نرصدها تتعلق بسوء تدبير المال العام داخل عدد من الجامعات الرياضية، وغياب الشفافية في التسيير المالي والإداري، بالإضافة إلى التلاعب في المحاضر، والإقصاء الممنهج للكفاءات، والتدخلات السياسية خلال الانتخابات الجامعية، فضلاً عن تضارب المصالح وغياب آليات فعالة للمراقبة والمساءلة.

لماذا تم التركيز على جامعتين رياضيتين بالاسم دون غيرهما؟ هل هناك معطيات موثقة؟
تمت الإشارة إلى الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة والجامعة الملكية المغربية لكرة الطاولة نظراً لتوفر معطيات موثقة حول اختلالات مالية وإدارية خطيرة داخلهما، وبعضها موضوع شكايات وملفات قضائية وتقارير مرفوعة إلى مؤسسات الرقابة، إلى جانب تغطيات إعلامية وتحقيقات ميدانية مؤكدة.
تجدر الإشارة إلى أن تركيزنا على هاتين الجامعتين لا يعني أن باقي الجامعات الرياضية تخلو من الإشكالات، بل إننا نتابع بدقة تطورات الشأن الجامعي الرياضي بصفة عامة، وسنواصل تسليط الضوء على أية حالة تستدعي التدخل، وفق ما يسمح به القانون والمواثيق الوطنية والدولية ذات الصلة.
ما موقف الهيئة من صمت بعض الجهات الرسمية أو ترددها في فتح تحقيقات حول شكاوى الفساد الرياضي؟
نعتبر هذا الصمت غير مبرر ومؤسفاً، لأنه يساهم في تفشي الفساد ويُضعف مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. من الضروري أن تتحمل الجهات المعنية مسؤولياتها، وأن تُفعّل آليات التحقيق والردع حمايةً للمرفق الرياضي وحقوق المرتفقين.
ما هي الآليات التي تقترحونها لتفعيل الشفافية والمساءلة داخل الجامعات الرياضية؟
نقترح إحداث هيئة مستقلة تُعنى بمراقبة المال العام داخل القطاع الرياضي، إلى جانب إلزام الجامعات بنشر تقاريرها المالية والتقنية بشكل دوري، وإحداث بوابة إلكترونية شفافة لصفقاتها وعقودها، وتمكين المفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات من صلاحيات المراقبة المنتظمة.
هل لديكم تصور عملي لمعايير شفافة لضمان نزاهة الانتخابات الرياضية؟
نعم، نطالب بإقرار لوائح انتخابية دقيقة، وتحديد شروط الترشح بوضوح لمنع تضارب المصالح، وإشراك مراقبين مستقلين، وتنظيم مناظرات علنية بين المترشحين، بالإضافة إلى إشراف هيئة مستقلة ومحايدة على سير العملية الانتخابية برمتها.
كيف يمكن ضمان استقلالية عملية التدقيق المالي للجامعات الرياضية؟ ومن يجب أن يشرف عليها؟

الضمان الحقيقي للاستقلالية يتمثل في إسناد مهمة التدقيق المالي إلى هيئات وطنية مستقلة، مثل المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية، مع تفعيل المراقبة البعدية وتطبيق العقوبات في حال ثبوت تجاوزات أو اختلالات في التدبير المالي.
هل تتعاون الهيئة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؟
نعم، سبق للهيئة أن راسلت الوزارة في مناسبتين بخصوص اختلالات تتعلق بتسيير جامعتين رياضيتين، وذلك في إطار واجب التبليغ الذي يفرضه علينا القانون والضمير المهني. لكننا لم نقترح بعد أرضيات تفصيلية للتعاون المؤسساتي، وهو ما نعتبره من أولويات المرحلة المقبلة.
ولعلها مناسبة من خلال منبركم الإعلامي هذا أن نوجّه نداءً مفتوحًا إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من أجل فتح قنوات تواصل وحوار رسمي مع الهيئة، بهدف وضع أرضية شراكة مشتركة تقوم على مبادئ الشفافية، والمصلحة العامة، وتعزيز النزاهة في الحقل الرياضي.نحن منفتحون على التعاون البناء، ونأمل أن تلتقط الوزارة هذه الإشارة بإيجابية، لأن مكافحة الفساد الرياضي مسؤولية جماعية لا يمكن لأي جهة أن تتحملها بمفردها.
كيف تترجمون عملياً شعار “الرياضة من أجل التنمية والسلام” في السياق المغربي؟
يتجسد ذلك من خلال دعم الرياضة القاعدية في الأحياء والمؤسسات التعليمية، وتأهيل البنيات الرياضية في المناطق المهمشة، وتمكين الشباب من الاندماج عبر أنشطة رياضية تكرّس قيم التسامح والتعايش. فالرياضة، حين تُدار بنزاهة، تتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية والاندماج والسلم الاجتماعي.
هل تعتقدون أن غياب النزاهة في الرياضة يُضعف دورها التنموي والسلمي؟
بلا شك. غياب النزاهة يفرغ الرياضة من بعدها التربوي والإنساني، ويجعلها وسيلة للإقصاء بدل الإدماج، وللتمييز بدل المساواة. حين تتفشى المحسوبية والفساد، تتضرر الثقة، وتفقد الرياضة قدرتها على بناء مجتمع متوازن ومتماسك.
أشرتم بشكل ضمني إلى العدوان على الشعب الفلسطيني، هل لديكم موقف واضح من استعمال بعض المنصات الرياضية لتبييض الاحتلال؟
نحن نرفض بشكل صريح وواضح أي محاولة لتبييض الاحتلال الصهيوني عبر الرياضة. كما نُدين استغلال التظاهرات الرياضية لتجميل صورة نظام استعماري يرتكب انتهاكات جسيمة في حق الشعب الفلسطيني. الرياضة يجب أن تظل ميداناً نزيهاً للقيم والكرامة الإنسانية، وليست أداة للتطبيع أو الغسيل السياسي.
هل تعتقدون أن مقاطعة بعض الفعاليات الرياضية الدولية المرتبطة بالكيان الصهيوني جزء من أخلاقيات الرياضة؟
نعم، نعتبر المقاطعة السلمية شكلاً نبيلاً من أشكال المقاومة، وتعبيراً مشروعاً عن التزام الرياضيين بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان. إنها وسيلة غير عنيفة للضغط من أجل إنهاء الاحتلال، وهي منسجمة تماماً مع روح القيم الأولمبية.
ما هي المشاريع أو المبادرات المقبلة التي تعتزم الهيئة إطلاقها لتعزيز النزاهة في الرياضة؟
نشتغل حالياً على إطلاق مرصد وطني لرصد مؤشرات النزاهة في المجال الرياضي، كما نُعدّ دليلاً توجيهياً حول مكافحة الفساد الرياضي موجهاً للإعلام والمجتمع المدني، إلى جانب تنظيم ملتقى وطني حول شفافية الانتخابات داخل الجامعات الرياضية.
هل تفكرون في إطلاق تقرير سنوي حول مؤشرات الفساد في الرياضة المغربية؟
نعم، نعمل حالياً على بلورة الإطار المنهجي لهذا التقرير، الذي سيكون الأول من نوعه وطنياً، ونسعى لإشراك خبراء وباحثين متخصصين لإصداره مع بداية السنة المقبلة. نهدف من خلاله إلى توفير أداة علمية ترصد تطورات الشفافية والنزاهة في الحقل الرياضي المغربي.