مليكة الفاسي المجاهدة الفارسة التي وقعت وثيقة استقلال المغرب
تعتبر مليكة الفاسي، واحدة من نساء الحركة الوطنية المغربية، فهي السياسية والكاتبة والمجاهدة المغربية، بالاضافة الى كونها المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال وهي لم تتجاوز 25 عاما من عمرها.
ولدت مليكة بلمهدي الفاسي، في 19 يونيو 1919، بفاس، وسط عائلة فاسية بورجوازية عريقة، تميزت بوطنيتها و اهتمامها الثقافي وانخراطها في الدفاع عن قضايا الوطن.
وكانت والدتها لالة طهور بنشيخ، و والدها القاضي المهدي الفاسي، حرصين على تعليمها مثلها مثل إخوانها الذكور، حيث درست بكتاب خاص بالفتيات، ما بين “1928 و 1930″، و خصص لها والدها جملة من الأساتذة المتخصصين في عدة تكوينات لمتابعة دراستها، كما عرفت بكونها فارسة متميزة.
مليكة الفاسي من الموسيقى إلى الصحافة
هوت مليكة الفاسي الموسيقى منذ صغرها، فتعلمت العزف على آليتي العود والأكورديون، وأسست مع الحاج إدريس التويمي بنجلون جمعية هواة الموسيقى الأندلسية.
سنة 1934، و عن عمر ناهز 15سنة، كانت بدايتها في كتابة المقالات الصحفية في مجلة “المغرب” الشهرية، ثم جريدة “العلم”، التي تسعى من خلالها إلى نشر الوعي حول القضايا التي كانت تعتبرها عوائق في وجه تحرر النساء، مثل انتشار الخرافات والعادات الضارة، وكانت توقع مقالاتها بأسماء مستعارة منها”الفتاة” و “باحثة الحاضرة”.
آخر شخص التقى السلطان محمد الخامس قبل نفيه
تزوجت مليكة بابن عمها محمد غالي الفاسي سنة 1935، ثم بعدها بسنتين، انخرطت في العمل السياسي بانضمامها إلى كتلة العمل الوطني سنة 1937م.
كان زوجها مدرسا للأمير مولاي الحسن، ومنذ سنة 1942 كانت قادرة على دخول القصر الملكي بدون إثارة انتباه المستعمر. فكانت تقود المقاومة عندما يتم إلقاء رفاقها في السجن وتتكلف بالعمل النسائي مع قادة المقاومة الذين هربوا من السجن والمنفى.
في ليلة 19 أغسطس 1953 ، تنكرت مليكة الفاسي من أجل رؤية الملك الراحل محمد الخامس، وأدت القسم أمامه على الاستماتة في محاربة المحتل، كما وجه لها الملك مجموعة من التعليمات المتعلقة بالمقاومة. فكانت آخر شخص تمكن من رؤية الملك محمد الخامس قبل نفيه. وبعدها بدأت المقاومة المسلحة مع رفاقها المقاومين.
كانت الفاسي موضع ثقة من الحزب، ولذلك خصت وحدها دون غيرها من النساء الوطنيات بالالتحاق بالجناح السري للحزب بعدما أقسمت اليمين على المصحف بكتمان الأسرار الوطنية السياسية، ومنها الاتصال السري والمنظم مع محمد الخامس.
حاربت الأمية في وسط نون النسوة من جامع القرويين
بدأت مليكة في محاربة الأمية قبل الاستقلال، ودافعت بقوة عن التحاق الفتيات بالمدرسة لمواصلة تعليمهن، وبمساعدة مدير جامعة القرويين، وموافقة الملك الراحل محمد الخامس، تم فتح باب لتمدرس البنات عام 1947. وضمت الدفعة الأولى عدة أسماء وازنة، أمثال حبيبة البوركادي، عائشة السكات، فاطمة القباج …
كما تمكنت من السفر حول المغرب لإنشاء مراكز لمحو الأمية، وتشجيع الناس على التسجيل في هذه الفصول التي كانت تدرس بنفسها فيها.
الفاسي السيدة الوحيدة التي وقعت على وثيقة الاستقلال
وقبل أن يكون اسمها كامرأة وحيدة من بين الأسماء التي طالبت باستقلال المغرب في وثيقة 11 يناير 1944 الشهيرة، كانت لها ميولات سابقة نحو التعاطف مع حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه أغلب أفراد العائلة.
اذ لم يكن سهلا أن يكون اسم امرأة مدرجا في لائحة من الأسماء الرجالية، خصوصا أن من بينهم علماء دين محافظين وآخرين كانوا طلبة في جامعة القرويين. لكن رغبة مليكة كانت أكبر من أن تُرد، ولم يسجل من طرف الذين كانوا سباقين إلى التوقيع أي اعتراض على وجود امرأة بينهم، فقد كانت من القلة المتعلمة من بنات العائلة، في وقت لم يكن مسموحا فيه للفتيات بالتعلم، فكانت بذلك المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة الاستقلال مع 65 موقعا.
و بعد الحصول على الاستقلال مباشرة، قدمت الفاسي اقتراحا للملك الراحل محمد الخامس بحصول النساء على حقهن في التصويت، والذي تبناه على الفور.
وفي عام 1956 ، كانت من بين المشاركين في تأسيس “مؤسسة المعونة الوطنية”، برئاسة الأميرة للا عائشة، كما شاركت أيضا في تأسيس “مؤسسة الرابطة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية”، التي شغلت بها منصب نائبة الرئيس.
فضلت الاهتمام بالأطفال المحتاجين على منصب وزيرة
اقترح عليها الملك محمد الخامس منصب وزيرة مكلفة بالقضايا الاجتماعية، غير أنها رفضت معللة ذلك بأنها تفضل الاستثمار في محاربة الأمية والاهتمام بالأطفال المحتاجين.
فبالرغم من أن مليكة لم تتبوأ أي منصب سياسي بعد الاستقلال، فإن زوجها أصبح أول وزير للتعليم بالمغرب.
شاركت مليكة الفاسي في العديد من الندوات وقدمت مؤتمرات مختلفة في الصين ورومانيا والاتحاد السوفييتي، وحصلت على ميدالية من اليونسكو من أجل محاربتها الأمية، و أخرى من الحكومة الروسية لمساهمتها في الصداقة الروسية، كما لديها ميدالية من العصبة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية. وتم منحها من قبل الملك محمد السادس وسام العرش العلوي من الدرجة الأولى ( درجة قائد كبير) في 11 يناير 2005.
و بعد مرض لم يمهلها طويلا، توفيت مليكة الفاسي يوم السبت 11 مايو 2007، ودفن جثمانها بضريح الحسن الأول بالرباط الى جانب زوجها العلامة محمد الفاسي.