
بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي
قالها وقلبه يئن وجعًا، كأن الصرخة خرجت من جوف بركان طال احتقانه: كفّوا أيديكم عنّا، فقد اجتثثتم الأخضر قبل اليابس، وحرقتم آخر ما تبقّى من شعرة وصل بينكم وبين هذا الشعب الصابر.
كفّوا أيديكم، فقد أوقفتم عقارب الزمن، وعدتم بنا إلى العصور المظلمة، حيث لا قانون يحكم، ولا عدالة تُحتَرم، ولا كرامة تُصان. صار المواطن غريبًا في وطنه، يلهث خلف لقمة تسد رمقه، يبحث عن ماء راكد أو عشب ذابل، كما لو أنه عاد إلى زمن الكهوف والصخور.
أيها المتنفذون، ما أراده هذا الإنسان البسيط لم يكن سلطة، ولا ثروة، ولا قصرًا مشيدًا، بل حياة تحفظ له كرامته، تعليم ينهض بأطفاله، صحة تصون جسده، وعملاً يكفل قوته. لكنكم، بتهافتكم وجشعكم، نهشتم لحم هذا الوطن، وتركتم شعبه يعاني على هامش الحياة.
لقد نُهبت صناديق التقاعد والضمان، وسُرقت أحلام المتقاعدين والمرضى، وتكدّست الثروات في جيوب قلة لم تعرف معنى الشقاء، ولم تذق مرارة الحرمان. أما من أوصلكم إلى المناصب، فقد نسيتموه في الزحام، وتركتموه يتأرجح بين المرض والفقر واليأس.
أين حق المواطن في وطنه؟ أين وعد التنمية والعدالة والكرامة؟ لقد صنعتم لأنفسكم أبراجًا عاجية، لكنكم نسيتم أن أساسها هشّ، وأن الأرض التي تحتكم تميد من صراخ الجوعى ودموع الأرامل وأنين الأيتام.
أيها المنتخبون والمسيّرون والمترفون، اعلموا أن الوطن لا يُبنى على ظهر الفقراء، ولا يستمر على أنقاض المقهورين، وإن سكت الشعب طويلًا، فليس عن غباء، بل لأن الصبر من شيم العظماء. لكن حين تتكلم الأرض، فاعلموا أن لا جدار سيحميكم، ولا رتبة ستنفعكم، فحاويات التاريخ لا ترحم من خذلوا أوطانهم.
ومع كل هذا، لا زالت الفرصة قائمة، ما دام في القلب نبض وفي الروح أمل. أصلحوا ما أفسدتم، وراجعوا ضمائركم قبل فوات الأوان. أعيدوا الثقة للوطن، وأعيدوا الكرامة للشعب، فالأوطان لا تُرمّم بالوعود، بل بالعدل، ولا تُبنى بالخطب، بل بالفعل الصادق. دعونا نكتب معًا صفحة جديدة، يكون فيها الوطن للجميع، ويكون فيها الجميع للوطن.