أخبارعين العقل

الخُنْفُشَر… !؟

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

في زمنٍ اختلط فيه الحق بالباطل، وتداخلت الأصوات حتى غابت النغمة الصافية وسط ضجيج الزيف، برزت إلى السطح طائفة من الناس تتطفّل على موائد العلم كما يتطفّل الذباب على الجراح، لا طِبّ يملكون ولا دواء، لكنهم يوزّعون الفتاوى كما تُوزَّع المنشورات، ويخوضون في عظائم الأمور وصغائرها بلسانٍ لا يستند إلى فقه، ولا عقلٍ يميز، ولا علمٍ يُستنار به.

سألتُ شيخي العارف الفقيھ محمد اليوسفي رحمھ اللھ، وقد كان بحّاثة في اللغة، بصيراً بالشريعة، قليل الكلام، عظيم الوقار:
– يا مولاي، رأيتُ من الناس مَن يتصدر المجالس ويتحدث في كل شأن، يخلط الحق بالباطل، ويتكلم في الدين كما يتكلم التاجر في سوقه. يفتي الناس بلا علم، ووجد من يصدّقه وينصت إليه!
فقال لي:
– يا بني، هل تعرف من هو “الخنفشَر”؟
قلت: لا والله.
قال:
– الخنفشَر يا ولدي هو ذاك الذي يدّعي العلم وليس منه في شيء. يتفيهق في الكلام، يخلط المنقول بالمجعول، ويكثر من أسماء الرواة والمصادر حتى إذا سمعه الجاهل خاله عالماً، وإذا سمعه الفقيه تبسّم وتغافل. ينسب إلى الأئمة ما لم يقولوه، ويستدلّ بما لا أصل له، فإذا سئل عن الدليل احتال بحيلة اللغة، أو لجأ إلى تبرير أعمى… فذلك هو الخنفشر، فلا تجالسه، ولا تستأنس بقوله، فإنّه يفتنك ويُضلّك.

هكذا وصفه، لا باسمٍ معروف، ولا نسبٍ مذكور، لكنه حاضر في كل عصر، يلبس عباءة العالم ويتكئ على عكاز الجهل.

إنّ الخنفشر ليس مجرد فرد، بل هو رمز لكلّ من تسلّق منابر الكلام دون علم، وأفتى في دين الله بغير هدى، أو اتّبع الظنّ وما تهوى الأنفس. إنّه الخطر الصامت، والفتنة الناطقة، والعَثرة التي لا تُرى حتى يقع فيها المارّ بغير بصيرة.

فيا صاحبي، إذا رأيت من يتكلم في ما لا يُحسن، ويستعرض الأسماء والعناوين والكتب كما يستعرض البائع بضاعته، فلا تغترّ به، فالعبرة ليست بكثرة القول، بل بوزن المعنى، والعلم هُدى لا ادّعاء.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button