الِاسْتِشْرَافُ بِالنِّسْيَانِ

الِاسْتِشْرَافُ بِالنِّسْيَانِ
حينَ كانَ النُّورُ
يُوقِظُ الظَّلَامَ،
لا يُطْفِئُهُ…
حينَ خَضَعَتِ الْأَنْوَارُ،
وأَطْفَأَتْ فَوَانِيسَهَا الَّتِي بِهَا تَهْتَدِي،
وحينَ الْتَحَمَتِ الْأَضْدَادُ،
واسْتَأْسَدَ الْبُهْتَانُ،
كَأَنَّهُ جُرْحٌ يُهَاجِمُ كُلَّ رَاقٍ جَمِيلٍ،
كَأَنَّ الْجَمَالَ أَذًى!
اسْتَقْوَى بِالْكَذِبِ،
واسْتَنَارَ بِالْجَهْلِ،
اسْتَأْجَرَ السَّفَالَةَ،
تَخَلَّى عَنِ النَّزَاهَةِ،
مَارَسَ التَّمْوِيهَ فِي الْخِطَابِ السِّيَاسِيِّ،
رَامَ لِلرَّمْزِيَّةِ فِي لُغَتِهِ اتِّقَاءَ الْحَرَجِ الدِّبْلُومَاسِيِّ،
اتَّخَذَ الرَّسَائِلَ الضِّمْنِيَّةَ مَسْلَكًا بَدَلَ الصَّرَاحَةِ،
اخْتَصَّ فِي تِقْنِيَاتِ اللُّغَةِ الْمُزْدَوِجَةِ،
امْتَهَنَ فِي الْكَلَامِ الْبَذَاءَةَ،
تَطَاوَلَ عَلَى الشُّرَفَاءِ،
واسْتَحْسَنَ السَّفَاهَةَ…
تَحَامَلَ عَلَى الْحُرِّيَّاتِ،
رَكِبَ الْجَهْلَ،
وشَوَّهَ الْقِيَمَ،
حَوَّلَ الْبَاطِلَ إِلَى حَقٍّ،
وجَعَلَ الْحَقَّ بَاطِلًا فِي الْعُيُونِ.
بَدَّلَ قُوَّةَ الْحُجَّةِ بِرَوْنَقِ الشِّعَارِ،
قايضَ الذِّمَّةَ بالنَّصْبِ الفِكْري،
وأمَانَةَ الصٍّدْقِ بالخِداعِ
فيَئِسَ منه الضَّمِير.
يُمَنِّي النَّفْسَ بِمَا لَنْ يَعُودَ،
يَئِدُ الْآفَاقَ،
يُحْرِقُ الْجُسُورَ،
يُخَرِّبُ الدَّعَائِمَ،
يَبُثُّ الرُّعْبَ،
يُرْهِبُ الْقُلُوبَ،
يُهَدِّدُ الْهِمَمَ،
يُلَوِّحُ بِالْأَوْهَامِ،
يَعِدُ بِمَا لَا يَمْلِكُ،
يَأْتِي بِشَرِّ الْأُمُورِ،
ويَتَّهِمُ بِهَا غَيْرَهُ…
يُدَغْدِغُ الْعَوَاطِفَ الرَّخِيصَةَ،
يَخْلِطُ الْمَفَاهِيمَ،
يَخْدَعُ الْعُقُولَ،
يَتَحَيَّنُ الْعَزَائِمَ،
يَنْقَضُّ عَلَى الْفِكْرِ،
يُحَرِّمُ النَّقْدَ،
يَنْقُضُ التَّقَدُّمَ،
ويَدْفَعُ الْعُقُولَ إِلَى الِانْسِحَابِ.
يَلُوذُ بِالْغَيْبِ،
يُخْفِي فِيهِ مَرَامِيَهُ،
ويَحْتَلُّ الْفَرَاغَ
فِي الْمَوَاقِعِ الَّتِي أَفْرَغَهَا قَسْرًا،
لَا يَهُمُّهُ مَعَ مَنْ يَتَوَاطَأُ،
ويَحْسَبُ أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ مَعَهُ!
قَالَ الْحَاكِي:
أَسَاطِيرُ،
كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَنَّهَا انْتَهَتْ،
أُحْجِيَاتٌ تَلَاشَتْ،
ولَمْ تَعُدِ الْجَدَّاتُ يَرْوِينَهَا…
لكِنَّهُ صَخَبُ الِانْهِيَارِ،
وَحْدَهُ بَقِي
بَعْدَ هَمْسِ الِانْبِهَارِ.
مُفَارَقَةُ الْعَصْرِ أَنَّ ظِلَالَ قَوْمٍ انْدَثَرُوا
لَا تَزَالُ تَسْكُنُ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ،
وأَنَّ السَّتَائِرَ الْقَدِيمَةَ
لَا تَزَالُ تَحْجُبُ رُؤْيَةَ الْحَاضِرِ،
وتَسْتَبِقُ الْمُسْتَقْبَلَ،
وتَحُولُ دُونَ النَّفَاذِ إِلَى كُنْهِ الْجَمَالِ،
وأَسْبَابِ التَّفَاؤُلِ.
كُنْتُ أَوَدُّ
أَنْ أَرْوِيَ لَكُمْ
قِصَصَ الَّذِينَ وَعَوْا
أَنَّ كُلَّ نِهَايَةٍ بِدَايَةٌ،
وتَعَلَّمُوا، بِتَوَاضُعٍ،
أَنَّ كُلَّ بِدَايَةٍ نِهَايَةٌ…
لكِنَّنِي — وَيَا لِلْمُفَارَقَةِ الغريبة —
نَسِيتُ كَيْفَ كُنْتُ أَبْدَأُهَا…
عَبْدُاللَّطِيف زَكِي
تْرِيِّيز-سِپْتِيِّي، في 24 أَبْرِيل 2025