“سفاح” ابن أحمد يرتكب جريمة مزدوجة

ابو محمد/
اهتزت مدينة ابن أحمد التابعة لإقليم سطات على وقع جريمة بشعة ومروعة راح ضحيتها شخصان على يد شخص وصفه السكان المحليون بـ “السفاح”. وتشير المعطيات الأولية إلى أن المتهم يعاني من اضطرابات نفسية حادة سبق أن استدعت إيداعه مستشفى الأمراض العقلية عدة مرات.
وكشف مصدر محلي موثوق لجريدة هسبريس الإلكترونية أن المشتبه فيه سبق أن أحيل على مصلحة الأمراض العقلية في أكثر من مناسبة، إلا أنه كان يُسمح له بالمغادرة دون أي تنسيق مع السلطات المحلية أو الأمنية أو حتى إشعارها، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول الآليات المتبعة في التعامل مع هذه الحالات الحساسة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأفراد يُحتمل أن يشكلوا خطرًا حقيقيًا على سلامة المجتمع.
وقد تزامنت هذه الجريمة المروعة، التي وقعت في ظروف غامضة لم تتضح تفاصيلها بعد، مع اكتشاف أشلاء بشرية مجهولة المصدر داخل مرحاض ملحق بالمسجد الأعظم بالمدينة، مما أثار حالة من الاستنفار والقلق الشديدين في صفوف السكان، ودفع مختلف الأجهزة الأمنية إلى رفع درجة التأهب والتدخل الفوري.
وذكر مصدر موثوق أنه مباشرة بعد اكتشاف هذه الأشلاء البشرية، حلت بالمنطقة تعزيزات أمنية كبيرة شملت عناصر من الشرطة القضائية، ومصالح الأمن العمومي، والشرطة التقنية والعلمية، بالإضافة إلى السلطات المحلية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، وفرق خاصة ذات خبرة عالية قادمة من مدينة سطات. وقد كثفت هذه الفرق جهودها لفك لغز هذه الجريمة البشعة التي هزت أركان المنطقة.
وبعد إجراء التحريات والأبحاث الأولية، تبين أن المشتبه فيه الرئيسي في ارتكاب هذه الجريمة، والذي كان يتولى أحيانًا مهمة العناية بمكان الوضوء بالمسجد المذكور، لديه سوابق طبية موثقة تثبت معاناته من أمراض عقلية حادة. وقد اعترف المتهم أثناء التحقيق معه بأنه قام بقتل الضحية الأولى، قبل أن يتم العثور على أشلاء الضحية الثانية في ظروف مروعة.
وعقب الاستماع إلى المتهم وانتهاء مدة الحراسة النظرية القانونية، قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات إحالته على قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها مع ملتمس بمتابعته في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي، وهو ما استجاب له قاضي التحقيق على الفور نظرًا لخطورة الأفعال المنسوبة إليه.
وقد أعادت هذه الواقعة المأساوية إلى الواجهة بقوة إشكالية تسريح المرضى النفسيين من المستشفيات دون توفير ضمانات كافية أو متابعة دقيقة لحالاتهم، وهي مشكلة لا تقتصر على مدينة ابن أحمد وحدها، بل تشمل مناطق عديدة في المملكة، من بينها جهة درعة-تافيلالت، حيث يتم الإفراج عن مرضى نفسيين من المؤسسات الاستشفائية دون تنسيق كاف مع السلطات المحلية والأمنية، مما يجعلهم يعودون إلى الشوارع دون رقابة فعالة، ويظلون بذلك قنابل موقوتة تهدد سلامة وأمن المواطنين.
وفي هذا السياق، أكد عبد الصمد بنعيسى، الباحث المتخصص في علم النفس، أن الفراغ القانوني والتنسيقي الواضح بين المصالح الصحية والأمنية يجعل من هذا الملف أحد التحديات الكبرى التي تواجه السياسة العمومية للصحة النفسية في المغرب. وأشار إلى أن المقاربة الحالية لا تزال تفتقر إلى رؤية مندمجة وشاملة تضمن حقوق المرضى النفسيين وتحمي في الوقت نفسه المجتمع من الأخطار المحتملة التي قد تنجم عن حالات عدم المتابعة.
وأضاف بنعيسى، في تصريح خص به جريدة هسبريس، أن العديد من الدعوات صدرت عن جمعيات مدنية ومنظمات حقوقية تطالب بإعادة النظر بشكل جذري في آليات التكفل بالمرضى العقليين، خاصة أولئك الذين يشكلون خطرًا على أنفسهم أو على الآخرين. وشدد على الضرورة الملحة لإحداث قاعدة بيانات مشتركة ومنسقة بين المستشفيات والسلطات الأمنية، وتفعيل مقاربة وقائية تعتمد على الرصد المبكر والتتبع الدقيق والمواكبة النفسية المستمرة لهؤلاء المرضى.
وختم الباحث تصريحه بالتأكيد على أنه بينما تستمر التحقيقات الأمنية المكثفة في محاولة كشف جميع خيوط هذه الجريمة البشعة التي هزت مدينة ابن أحمد بإقليم سطات، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: “إلى متى سيظل الخطر النفسي صامتًا بيننا؟ وهل ستتحرك الجهات المعنية بشكل فعال لإعادة ضبط السياسات والإجراءات ذات الصلة قبل أن تتكرر هذه المأساة المؤلمة في ابن أحمد أو في أي مدينة أخرى في البلاد؟”.