حينَ يَعودونَ بِوَجهٍ لا يَخْجَلُ

حينَ يَعودونَ بِوَجهٍ لا يَخْجَلُ
سَأَلْتُ صَدِيقِي الخَبِيرَ:
«كَيْفَ يُمَنِّي النَّفْسَ مُنْهَزِمٌ، لَفَظَهُ النَّاسُ كَمَا تُلْفَظُ المُرَارَةُ،
أَنْ يَعُودَ…
وَيَطْلُبَ مِنْ ضَحَايَاهُ أَنْ يُسَلِّمُوهُ رِقَابَهُمْ، طَائِعِينَ، خَاشِعِينَ؟»
تَفَهَّمَ دَهْشَتِي، وَتَنَهَّدَ:
«غَرِيبٌ أَنْ لَا يُثِيرَ الجَدَلَ وُقُوفُهُمْ عَلَى المَنَابِرِ،
يُعْلِنُونَ، بِوَقَاحَةِ العَتْمَةِ، أَنَّ صَلَاحِيَّةَ الوَطَنِ انْتَهَتْ،
وَأَنَّ زَمَنَ الرُّجُوعِ إِلَى مَا قَبْلَهُ، صَارَ قَدَرًا لَا مَفَرَّ مِنْهُ.
غَرِيبٌ أَنْ لَا يُقْلِقَ النَّاسَ مَنْ يَقُولُ:
إِنَّ الحُرِّيَّةَ فَسَادٌ،
وَأَنَّ المُسَاوَاةَ لَيْسَتْ مِنْ شِيَمِنَا،
وَكَأَنَّ الكَرَامَةَ تُقَاسُ عَلَى المِقَاسِ.
غَرِيبٌ أَنْ لَا يُغْضِبَ القُلُوبَ مَنْ يَدَّعِي احْتِكَارَ الدِّينِ،
وَيَتَنَكَّرَ لِتَارِيخٍ مُشْتَرَكٍ، نَبَضَتْ فِيهِ أَوْتَارُ التَّضْحِيَةِ.
غَرِيبٌ أَنْ لَا يُثِيرَ الجَفَاءَ مَنْ يُنْكِرُ التَّعَدُّدَ وَالاخْتِلَافَ،
وَيَجْعَلَ مِنْ كُلِّ آخَرَ عَدُوًّا يَجِبُ إِلْغَاؤُهُ.
غَرِيبٌ أَنْ لَا يُشْعِلَ الغَيْظَ مَنْ يُخَوِّنُ العَقْلَ،
وَيُرَاوِدَ القَضَايَا الَّتِي خَانَهَا، مِرَارًا، ثُمَّ ادَّعَى
حِمَايَتَهَا.
غَرِيبٌ أَنْ لَا يُوقِظَ الشَّكَّ فِينَا،
مَنْ يَعِدُ بِأَوْهَامٍ لَا ظِلَّ لَهَا،
وَلَا نِيَّةَ لِبُلُوغِهَا.
غَرِيبٌ أَنْ لَا تُحَرِّكَ شِعَارَاتُهُمُ المُبْتَذَلَةُ
دَمَ الشُّرَفَاءِ فِي عُرُوقِهِمْ،
وَهُمْ يُهَادِنُونَ خُصُومَ الوَطَنِ، وَيَبْتَسِمُونَ لِلأَعْدَاءِ.
هُم مَنْ حَرَّمُوا الوَشْمَ فِي وُجُوهِ الجَدَّاتِ،
مَنْ جَرَّمُوا الرَّقْصَ الجَمَاعِيَّ فِي السَّاحَاتِ،
مَنْ حَسِبُوا أَنَّ الذَّاكرَةَ عَطَبٌ قَابِلٌ لِلْمَحْوِ،
وَأَنَّ النَّاسَ نَسُوا مَآسِيَهُمْ،
لَمَّا انْتَحَبُوا، وَسَمَّوْا غَيْرَهُمْ تَمَاسِيحَ.
قَضَوْا عَلَى الأَمَلِ،
وَقُضِيَ أَمْرُهُمْ…»
عبداللطيف زكي
تْرِيِّيز – سٍپْتِيِّي، فِي 26 أَبْرِيل 2025