المثقف المرتزق والمجتمعات الملغومة

بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
المختص في الشؤون العربية والإفريقية
يمكننا أن نتعلم من الفيلسوف جان بول سارتر أن “الكلمات هي أفعال”، وأن الكتابة عن سياسات الحاضر والفرص المتاحة لتغيير الاتجاه يمكن أن تغير مسار التاريخ والأحداث في المجتمع. إذ، يجب أن يهدف موضوع بحث ونقاش النخب المثقفة اليوم، إلى القيام بذلك على وجه التحديد، بعيدا عن العاطفة والذاتية ومدفوعا بالتزام أخلاقي اتجاه بلدانهم وشعوبهم.
سيذكر التاريخ أولئك المدافعين الشرسين عن الحق والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن مظالم الإيديولوجيات والطائفية والمذهبية، أولئك الباحثين عن أنوار الإنسانية وكرامة الفرد. قد ننبهر يوما بطوباوية وهم ما، أو مفاهيم وأفكار مختلفة، لكن الدفاع عن الوطن والمواطن لا يخضع لحسابات إيديولوجية وإلا سيحاصر المثقف نفسه في خندق ويتهرب من مواجهة الواقع والبحث عن أماكن ضبابية للاختباء.
يعيش المثقف العربي اليوم بين عنف السلطة وعنف الواقع وخيارات البحث عن واقع آخر، الكثير منهم عاش واقع عنيف ومستبد، لكنهم لم ينتجوا البديل يوما على الأقل نظريا، وحين يتفننون، يعيدون إنتاج الواقع نفسه.
إن استخدام الإجراءات النقدية ضد المثقفين والإعلاميين، الذين مارسوا حق النقد في ثورات الإصلاح العربي غير المكتمل، لا يمكن أن يكون له إلا تداعيات سلبية عميقة على النخبة، لكنه يحرك المياه الراكضة في واقع الناس والسياسة. المثقف لم يحض بعد بثقة العامة، ولا بثقة نفسه في التأثير بالفعل السياسي الإيجابي وخدمة قضايا الوطن والأمة، جل المثقفين انزووا إلى هوامش فكرية سجالية عقيمة، أخرت فتح نقاشات فكرية موسعة تجمع شملهم وتعيد ترتيب الأولويات من جديد.
كان على المثقف حتى، ولو كان بعيدا عن شرارات اندلاع انتفاضات التغيير، أن يهم ولو برسم خرائط هياكل السلطة ونقذ صوره اللاذعة لمقاومة الفرد وثورته ورغبته في التغيير نحو الأفضل. حين يواجه الوطن أقدارا قاسية وتحولات صعبة ويصبح على حافة الانهيار والفوضى، ودور المثقف مغيبا أو يصبح دورا سلبيا، نكون أمام خلل جسيم أصاب البنية الثقافية وأحال المثقفين الى عاهات في جسد مجتمع منهك ومنهار.
جل المثقفين اليوم سقطوا في وحل الايديولوجيا والطوائف والمذاهب، وبعضهم صار يتنكر للانسان والوطن، وآخرون فضلوا التعالي على عامة الناس ليمثلوا بذلك زمرة القدارة الثقافية.
منطقيا، وفي المجتمعات المتحضرة، لا يمكن للنخب المثقفة أن تهوي بها للهاوية حتى حين تكون على الحافة لأنهم يدركون أن بقاء الفكر والثقافة كقيمة حضارية مرهون ببقاء المجتمع، وسيادة القانون والقيم والأخلاق ووجود الدولة، لذلك يقاومون على أن يكون دورهم الأهم هو تعزيز هذه المبادئ والأخلاقيات في الواقع المعاش.
اليوم، نحن أمام نخب ثقافية غالبيتهم مرتزقة ومأجورين في مجتمعات مأزومة وملغومة بالصراعات الايديولوجية والفكرية، وعلى إثر ذلك تكون الدولة أضعف من كل المافيات الفكرية والاقتصادية والسياسية التي يعمل لصالحها المثقف العاري من كل نبل وقيم ومبادئ إنسانية.