الهوية الوطنية بين الوحدة والتعدد: قراءة حقوقية في رسالة محمد أوزين

بقلم: زهير أصدور
في زمن يشهد فيه النقاش الوطني حول الهوية المغربية تصاعدًا ملحوظًا، برزت رسالة محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، كردٍ سياسي وفكري على الانتقادات التي طالت مضمون كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية. رسالة أوزين، رغم محدودية مساحتها، تحمل بين سطورها رؤية سياسية وثقافية تسعى إلى تقديم تصور خاص للهُوية المغربية يدمج بين قيم الوحدة الوطنية وتعدد مكوناتها الثقافية. هذا المقال يهدف إلى تحليل مضامين رسالته من منظور حقوقي، ومراجعة مدى انسجامها مع المبادئ الدستورية المغربية ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
التعدد الثقافي كركيزة للوحدة الوطنية
بدأ أوزين رسالته بالحديث عن الهوية المغربية كتركيبة غنية ومتنوعة تشمل عدة مكونات ثقافية، منها الأمازيغية والعربية والحسانية والعبرية، وصولاً إلى الأندلسية. هذا التعدد الثقافي، بحسب أوزين، هو ما يجعل الهوية الوطنية المغربية متفردة ولا يمكن اختزالها في مكون واحد فقط. وهو ما يتماشى مع روح دستور 2011، الذي جعل من التعدد الثقافي أحد الركائز الأساسية للوحدة الوطنية، حيث نص في ديباجته على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، تقوم على أساس التعدد الثقافي”.
يعد الاعتراف بالتعدد الثقافي خطوة أساسية نحو تعزيز الهوية الوطنية الشاملة، فكما تنص المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تكفل حقوق الأقليات في التمتع بثقافتها ولغتها وهويتها. من خلال هذا الاعتراف، يصبح التعدد ليس فقط خيارًا ثقافيًا، بل التزامًا قانونيًا يعزز من الوحدة الوطنية بدلًا من إضعافها. فكل مكون ثقافي، بما في ذلك الأمازيغية واللغة العربية، يجب أن يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية.
رفض الإقصاء والعرقية الضيقة
واستمرارًا في هذا السياق، تناول أوزين ما وصفه بـ “النظرة العرقية الضيقة”، التي قد تحاول اختزال الهوية المغربية في مكون واحد أو مجموعة ثقافية بعينها. وفقًا لأوزين، فإن التحديات التي تواجه الهوية المغربية تتطلب تجاوز الرؤى الأحادية التي تدعي احتكار الهوية وتهميش مكوناتها الأخرى. في هذا الإطار، يمثل رفضه لهذه النظرة دعوة إلى تقبل التنوع والاختلاف في المجتمع، والاعتراف بكل مكوناته دون النظر إلى العرق أو الدين.
هذا الموقف يتماشى مع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تدعو إلى محاربة التمييز العنصري بكل أشكاله، بما في ذلك التمييز على أساس اللغة أو الهوية الثقافية. ومن هنا، تتضح أهمية هذا الموقف الحقوقي الذي يدعو إلى العيش المشترك تحت راية التنوع المتناغم.
غياب الاعتراف الكافي بالمظلومية الأمازيغية
رغم أن أوزين قد أشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه الأمازيغية في تشكيل الهوية المغربية، إلا أن رسالته تفتقر إلى الإقرار الصريح بالتهميش التاريخي الذي تعرضت له هذه الثقافة واللغة. فالمغرب شهد عقودًا طويلة من التهميش والإقصاء الثقافي، وكانت الأمازيغية، على الرغم من تمتعها بمكانة تاريخية عميقة، تعتبر جزءًا مهمشًا في التعليم والإعلام والسياسة.
في هذا السياق، يرى العديد من الناشطين الحقوقيين أن الاعتراف بالتهميش الأمازيغي يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من عملية المصالحة الوطنية. فالمبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية تستدعي أن يشمل أي خطاب سياسي أو ثقافي حول الهوية الوطنية إقرارًا بالأضرار التي لحقت بهذه المكونات الثقافية، وكذلك تقديم التعويضات والمعالجة الضرورية لتجاوز آثار هذا التهميش.
الدعوة إلى الحوار: خطوة نحو البناء الديمقراطي
واحدة من أبرز المبادرات التي وردت في رسالة أوزين هي الدعوة إلى تنظيم ندوة فكرية مفتوحة تحت إشراف أكاديمية لحسن اليوسي. هذه الندوة، التي تهدف إلى خلق مساحة للحوار والنقاش حول الهوية المغربية، تعتبر خطوة هامة نحو تعزيز حرية التعبير والفتح لآفاق النقاش العمومي حول القضايا الحساسة التي تمس المجتمع المغربي.
تجسد هذه المبادرة مبدأ أساسيًا في العمل السياسي الديمقراطي، وهو مبدأ الحوار المتبادل. فبغض النظر عن التباين في الآراء حول الهوية، فإن فتح المجال أمام النقاش الشفاف والحر يعزز من قدرة المجتمع على إيجاد حلول وسطى للمشاكل التي قد تواجهه. هذه الدعوة تمثل رفضًا لإقصاء الآخر واعترافًا بأهمية اختلاف الآراء في بلورة أفكار أكثر توافقًا وانفتاحًا.
تقييم حقوقي: بين التعدد والوحدة
بقراءة حقوقية متأنية، تتضح أهمية رسالة محمد أوزين باعتبارها دعوة للتوفيق بين التعدد الثقافي والوحدة الوطنية، وهو ما يتماشى مع الدستور المغربي والتزامات المملكة أمام المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن الرسالة لم تذهب بما يكفي نحو الاعتراف الكامل بالأضرار التي لحقت بالمكون الأمازيغي بسبب سياسات الإقصاء التي مورست في الماضي.
المستقبل يتطلب من الفاعلين السياسيين، بمن فيهم محمد أوزين وحزبه، أن يكونوا أكثر التزامًا بالعدالة الانتقالية والتصالح الثقافي، الذي يشمل الاعتراف الصريح بالظلم التاريخي والاعتذار الرسمي عنه. وهذا يشكل خطوة أساسية نحو بناء هوية وطنية غنية ومتنوعة، لا تهدد الوحدة، بل تعززها من خلال تضمين كل مكوناتها الثقافية في إطار مشروع مشترك يشمل جميع المغاربة.