جرائم إلكترونية..ابتزاز في أفق استكمال الترسانة القانونية
تعد الجرائم الإلكترونية في المغرب من أكثر أنواع الجرائم أهمية على المجتمع كافة، كما أنها تعد واحدة من أهم القضايا التي ظهرت حديثا، بسبب التطور في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير. وأفرزت العقود الأخيرة ثورة من نوع آخر متعلقة بوسائل الاتصال والمعلومات، نتيجة التطور الذي تجسد أساسا في انتشار أجهزة حاسوب آلي ذات مستوى عالي متطور بشكل مستمر، وبرامج متقدمة، وشبكات اتصال قربت ملايير البشر بعضهم البعض،وأتاحت فرصا جديدة للإطلاع على المعلومات وتبادلها، وحتى التفاوض وإبرام عقود مختلفة خصوصا عبر شبكة الانترنت.
وتتواجد مؤسسات متخصصة كالمديرية العامة لأمن المعلومات، والمديرية العامة للأمن الوطني، المعروفة بالرصد والتصدي للجرائم الإلكترونية، والتي تتوفر على مختبرات ومؤهلات تقنية وبشرية، وتنسق مع المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى توفر المغرب على ترسانة قانونية مهمة.
وكانت المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بجامعة محمد الأول بوجدة، قد نظمت ندوة علمية حول موضوع “الجرائم الإلكترونية”، أطرها الأستاذ فتح الله تزاوي رئيس الغرفة الإستئنافية (قاض بالمحكمة الابتدائية بوجدة دكتور في القانون الخاص).
فتح الله تزاوي..طفرة تشريعية غير معهودة للجريمة المعلوماتية
واستعرض فتح الله تزاوي الخطوط العريضة للجرائم الإلكترونية نتيجة الثورة التي أحدثتها وسائل الإتصال والمعلومات، والتطور الذي تجسد أساسا في انتشار أجهزة حواسيب متطورة، وبرامج متقدمة، وشبكات تواصل اجتماعي،أتاحت فرصا جديدة للإطلاع على المعلومات وتبادلها.
واضطر المشرع المغربي في ظل وجود فراغ تشريعي في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية، – يقول رئيس الغرفة الاستينافية بوجدة – إلى سن تشريعات حديثة أو إضافة نصوص أخرى لمجموعة القانون الجنائي المغربي تتلاءم وخصوصية الجريمة المعلوماتية، حيث شهد العقد الحالي طفرة تشريعية غير معهودة، شملت عموما كل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال.
وتوقف المحاضر خلال عرضه عند نقطة أساسية “حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي من الجريمة الالكترونية”، حيث أَوْلَى لهذه النقطة أهمية من الشرح والتدقيق. واعتبر نشر معطيات أو صورة بدون إذن صاحبها أو تصوير فيديو من أجل الابتزاز وإيذاء شخص “فإن ذلك يعرض صاحبه لعقوبة سجنية أو غرامة مالية”.
واستشهد بعدة القضايا المعروضة على محاكم وجدة ومدن مغربية أخرى. وحذر في السياق ذاته أصحاب الهواتف المحمولة من التصوير الذي يدخل في خانة “الطابع الشخصي”. وربطا بالمجهودات التي تبذل في سبيل الحماية الأمنية، نوه المحاضر بالمديرية العامة للأمن الوطني وما تقوم به على مستوى تعزيز الأمن المعلوماتي (جرائم الإرهاب – جرائم الأموال …) وحماية الأفراد والأمن القومي للبلاد في ظلّ تنامي التهديدات المحدقة التي تستهدف اختراق المؤسسات والشركات والمواقع الالكترونية والشبكة العنكبوتية.
وأثار الدكتور فتح الله تزاوي موضوع “الحماية الزجرية للمعالجة المعلوماتية في ضوء القانون الجنائي المغربي، هذا القانون الذي يحتوي على تسعة فصول (من الفصل 3-607 إلى الفصل11-607 ويتضمن عقوبات سجنية وغرامات مالية. إضافة إلى جوانب أخرى ضمنها في عرضه مثل الإثبات الالكتروني في جريمة القذف، الخيانة الزوجية، إذاعة أخبار زائفة،الابتزاز والتشهير، النصب والاحتيال في استعمال التقنيات الالكترونية.
محمد عبد النباوي يحذر من ارتفاع جرائم الأنترنت
وحذر محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من ارتفاع الجرائم المرتبطة باستعمال الأنترنت، خلال افتتاح أشغال ندوة حول “حقوق الإنسان والتحدي الرقمي” بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” بالرباط، إلا أن تزايد استعمال الإنترنت فاقم “الجرائم المعلوماتية”، مشيرا إلى تسجيل انتشار تقنيات في مجال تشفير المواقع الإلكترونية وقواعد البيانات. ويتعلق الأمر بتقنية تسمح للمجرمين “بالولوج إلى المواقع الإلكترونية وقواعد البيانات وتشفيرها مع ابتزاز الضحايا”.
وأشار عبدالنباوي إلى أن هناك حالات “قرصنة المعلومات الخاصة بالبطاقات الإلكترونية”، والتي تستعمل لقرصنة الأرقام السرية لبطاقات بنكية، مما يمكن من الاحتيال وسرقة أموال أصحابها، إضافة إلى جرائم الابتزاز عن طريق الإنترنت من خلال استعمال تكنولوجيا المعلومات، وتهديد الأشخاص بنشر “أمور مشينة، والمساس بحقهم في الصورة والحياة الخاصة”.
واعتبر الرئيس الأول لمحكمة النقض، أن التحدي الأساسي، “الذي نواجهه اليوم يتعلق بكيفية تأمين الاستعمال الأمثل للتكنولوجيات الرقمية”، بما يسمح في الوقت نفسه بمواصلة مساهمتها في النهوض بحقوق الإنسان من جهة، والتصدي لجميع أشكال “الاستخدامات السيئة”، التي من شأنها أن تؤدي، أو تساهم في حدوث “انتهاكات لتلك الحقوق من جهة ثانية”.
الابتزاز الجنسي في مقدمة الجرائم
وشدد ذات المتحدث على أن الآثار والانعكاسات “الإيجابية للتكنولوجيات الرقمية على حقوق الإنسان” تبقى واضحة، لكن هذه التكنولوجيات تحمل معها “تحديات جديدة”، تتجلى في ظهور “أخطار وتهديدات”، يمكن أن “تقوض أمن الدول والمجتمعات، والمساس بحقوق الإنسان الأساسية للأفراد”، بل قد يؤدي سوء استخدامها إلى حدوث “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”. كما أوضح عبد النباوي أن الفضاء الرقمي أصبح “مجالاً للمساهمة في ارتكاب جرائم”، أو “التحريض على ارتكابها”، تكون ماسة بالحق في الحياة، وبالسلامة الجسمانية للأفراد وممتلكاتهم، وتفاقم الجرائم المالية، من خلال أنشطة الشبكات الإجرامية، وأشكال أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان، كالتحريض على “التمييز والكراهية”، ونشر الأخبار “الزائفة”، والسب والقذف والتشهير، وأشكال التعبير المسيئة للأفراد وانتهاك الحياة الخاصة بهم. هذا فضلا عن “ترويج المخدرات والاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي للأطفال”، ودعم المواد الإباحية وأنشطة التنظيمات الإرهابية، حيث يتم استغلال انتشار وسائل الاتصال الحديثة، وسهولة الوصول إلى الإنترنت، والبرمجيات الرقمية للتجسس والاختراق وإخفاء الهوية.
وتعد عقوبة الجرائم الإلكترونية في المغرب من العقوبات الصارمة جدا، والتي يتم فرضها على كل من تأكد تورطه في هذه الجريمة. وجريمة الإبتزاز الإلكتروني من الجرائم الجديدة في المجتمع، والتي أصبح يقوم بها للأسف عدد كبير جدا من الأشخاص في المغرب، ومن المعروف أن التطور التكنولوجي سمح للمشرع يفرض قوانين مستحدثة لملائمة النصوص مع الظروف الجديدة.
وكشف تقرير رئاسة النيابة العامة لعام 2020، أن جريمة الحصول على مبلغ من المال بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، التي تتخذ في الغالب شكل الابتزاز الجنسي، تأتي في مقدمة الجرائم المرتكبة باستعمال الوسائل المعلوماتية.
وكشفت المديرية العامة للأمن الوطني في حصيلتها السنوية لـ2021، أنّ مصالحها رصدت 3 آلاف و533 محتوى للابتزاز الرقمي. وأبرزت المديرية في تقريرها لعام 2020 بخلاف عام 2021، أن 300 شخصا أحيلوا على النيابة العامة بشأن حالات الابتزاز الجنسي على شبكة الإنترنت، استهدفوا 458 ضحية، من بينهم 107 من الأجانب.
ونشرت عام 2017 الصحيفة البريطانية الذائعة الصيت “دايلي مايل”، تقريرا مطولا تطرقت فيه لموضوع الابتزاز الرقمي الذي تعرض له مواطنون بريطانيون على يد مغاربة من منطقة “واد زم”، التي وصفتها الصحيفة بعاصمة الابتزاز الإلكتروني في العالم. بحسب الصحفية فإن أزيد من 3000 شخص في المنطقة، يحصلون على مبالغ مالية مهمة عبر الإبتزاز الإلكتروني.
وشكل عام 2003 مصادفة محطة زمنية للاهتمام بالإجرام المعلوماتي بالمغرب، وتمت إضافة جديدة للترسانة التشريعية فيما يخص مكافحة هذا النمط الجديد من الجرائم، وصدر في نفس العام القانون رقم 03-24 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة، وهناك فصلين مرتبطين بالموضوع، وهما الفصل1-503 والفصل2-503، فالفصل 1-503 من المجموعة الجنائية المغربية ملأ فراغا تشريعيا، بحيث عاقب على جريمة التحرش الجنسي. وجاء هذا النص بصيغة تسمح للقاضي بتطبيقه على كل صور التحرش الجنسي التي تقع عبر وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنت.وحدد هذا الفصل العقوبة من سنة الى سنتين حبسا والغرامة من خمسة ألاف إلى خمسين ألف درهم.
ابتزاز رقمي
وكشف بحث أجرته المندوبية السامية للتخطيط (رسمية تعنى بالإحصاء) خلال الفترة الممتدة بين فبراير ويوليوز 2019 أن العنف بمختلف أشكاله بما فيه العنف الرقمي، له تكلفة اجتماعية واقتصادية على الضحايا وأبنائهم. ويشير البحث إلى أن ضحية العنف تعاني من اضطرابات نفسية تكون لها تأثيرات مباشرة على نشاطها المهني والأسري، إذ تضطر الضحية إلى التغيب عن العمل وتتراجع مردوديتها المهنية. وقدمت المندوبية السامية للتخطيط إحصائيات في مذكرة حول العنف لدى الرجال عام 2019، تشير أن “واحد من كل عشرة رجال ضحية للعنف الإلكتروني، والرجال في المدن والعزاب والتلاميذ والطلبة هم الضحايا الرئيسيون”.
وأكد العشرات من ضحايا الإبتزاز الرقمي، جهلهم بالقوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية والعقوبات المترتبة عنها، إذ أن العديد منهم يظن أن بمجرد لجوئه للشكاية، سيُكشف أمره ويُفتح الباب للخوض في عرضه مما يعزز خوفه من اللجوء إلى القضاء. وأكدت المندوبية السامية في بحثها لعام 2019 أنّ أكثر من نصف النساء والرجال ليسوا على علم بوجود القانون المتعلق بالحماية من العنف ضد المرأة، حيث يؤكد أكثر من 58 % من النساء و 57 % من الرجال جهلهم بوجود هذا القانون. وبحسب شهادات العشرات من ضحايا الابتزاز الرقمي، فقد فكر معظمهن في الانتحار بسبب الضغوط النفسية الحادة التي عانين منها جراء الإبتزاز الرقمي.