بقلم: محمد واحمان**
تروي لنا الذاكرة المغربية أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل وزوجته يتخذان من أحد الكهوف في إحدى قرى جبال الأطلس الكبير الأوسط بإحدى الغابات الكثيفة، مسكنا لهما ، وكان مرتعا للعديد من الحيوانات الخطيرة والطيور والحشرات.
وأمام بيتهما يمر نهر فياض عظيم يسمى “أسيف ن ييزماون” أي نهر الأسود باللغة الأمازيغية. ويحتضن هذا النهر أصنافا كثيرة من الأسماك والتماسيح الرهيبة.
وكان الزوج يدعى “يوفيناكْ” أي أفضل الرجال. قرم عارم وبطل قاحم، وامرئ قوي، صلب العود، طويل القامة شجاع من محتدٍ كريم .
أما زوجته فقد كانت ذات حسن وجمال، زرقاء العينين، ذات شعر طويل و ذهبي. امرأة قوية وحكيمة، إذْ كانت تولي بعلها عناية فائقة. لما وهبهما الوهاب ولدا، اختارا له من الأسماء “يوف تفوكت” أي أجمل من الشمس، شاب طويل القامة، مفتول العضلات، أشقر الشعر كأمه، ذكي ، وسخي . ورث الشجاعة والشهامة عن أبيه المغوار.
ذات يوم من أيام تموز الحارة، هاجم كهفهم قطيع من الحيوانات المفترسة، بزعامة ملك الغاب الهزبر ابن الضرغام، إذ إن الجيش الجرار حاول اقتحام الكف ، بيد أن محاولاته باءت بالفشل ، نظرا للمقاومة الباسلة التي أبدتها المرأة الشجاعة و التي خاضت معركة ضارية ضد قوات “الليث”، في غياب زوجها وفلذة كبدها اللذان كانا يخوضان معركة أخرى ضد إحدى كتائب الجيش الروماني الذي حاول إخضاع المنطقة لنفوذه .
بعد هذه المعركة الضارية التي دارت رحاها على ضفاف نهر الأسود بين المرأة الشجاعة و كتائب “الهيزم”، استطاعت هذه الأخيرة أن تهزم القوات الغازية هزيمة نكراء وصل صيتها إلى أبعد الحدود، فقتلت الأسد الجبار و أخذت دمه فكتبت به شعرا وأهدته لبعلها لما عاد مظفرا من المعارك التي خاضها ضد جيوش الروم عند قدم جبال الأطلس، ففرح الزوج فرحا شديدا ، وقرر أن يزوج نجلهما الوحيد من إحدى بنات زعيم أحد أشراف قبيلة “أغلغال”، وأقاما زفافا عظيماً حضره زعماء القبائل المشهورة وقتذاك.
أرسل زعيم القبيلة في طلب المرأة الباسلة كي يكافئها جزاء قضاءها على الوحش المارد، ،الذي تحدث الأهالي عن طغيانه وعثوه في الأرض فسادا، حيث التهم بقرتين وشاتين ونهش ذراع فتاة في مقتبل العمر، فحضرت الشجاعة إلى منزل “الأمغار”، فأكرمها أيما إكرام ، وقدم لها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من لحم غزلان، و سمن ، وعسل ، وزيت، و زبيب، وجوز و لوز…
** صحافي – مقتطف من أساطير أطلسية.