فيح جهنم
بقلم: خالد عبد اللطيف
…لا وقت للتراجع والنكوص، الحرارة مرتفعة، ورياح صحراوية ساخنة، جعلت نوافذ الفصل الدراسي تصاب برجة قوية حتى كان إن تكسر وتتحول الى قطع هشمتها الزوابع الرملية، تبادل التلاميذ النظرات في رعب، امتدت أيديهم الصغيرة الى القنينات التي تحولها ماؤها الى بركان حارق، تقاسمت معهم ما تبقى لي من ماء بارد، ولكن ماذا تفعل جرعة ماء لأفواه شديدة العطش، جفت الحلوق والعروق، الزوابع الرملية تتحدانا جميعا، نحاول عبثا إكمال درس في الفرنسية شرحا وتفسيرا وتطبيقا، لم يكن الامر سهلا، والتركيز شبه منعدم، لعل الحر قد تمكن من الصغار ومني، وفي عز الشمس التي وحدتنا جميعا، كانت بعض البقرات تستكمل رحلتها عبر المرور من عتبة الفصل، تتبعها بعض النعاج والتيوس، وبين الفينة و الأخرى يتوالى نهيق الحمير وبعض الآتان، يبتسم الصغار كلما تعلق الأمر بالحمار، هذا الحيوان الذي تحول الى شبهة وموضوع للتفكه والسخرية .
تصعد الحرارة في مدارجها ومدرجاتها،كم ستكون درجة الحرارة اليوم؟ أجابني بعض التلاميذ..لعلها خمسون درجة بلاشك، حاولت لفت انتباهه الى عدم المبالغة في التقدير، ولكن الرعاف الذي بدأ يمارس غوايته على التلاميذ بالتدرج خلال هذا الاسبوع الحار، جعلني استشعر بداخلي خطورة هذا التحول المفاجئ على صحة الصغار، نظرت الى عيونهم المتعبة والمنهكة بسبب الحشرات الغير المرغوب فيها التي تهاجمهم بالليل، أما السامة فهي تتهيأ هذه الايام لكي تتربع على رأس التمركز داخل البيوت المتواضعة، خارجة في طابور طويل من بين الشقوق والكوات، والثقوب الجوفية التي كانت نباتات خضراء، قلت لهم :”احترسوا والحافظ الله”شرعوا في الحديث عن اللذغات المتكررة التي تعرضوا لها في الصيف الماضي، تحدثوا عن الوخز المسموم، وغياب أية وسيلة مواصلات للمركز الصحي ببني زرتل او قصبة تادلة.
.. وصلنا لنهاية الدرس، انتقلنا الى حصة النشاط العلمي، ولكن يبدو ان النشاط الذهني قد تعطل لدى الصغار، وعزوت هذا التحول الى هذه الحرارة التي لاتسر صغيرا او كبيرا.
البئر القريبة من الفرعية ماؤها مالح ولايصلح للشرب، يطلب مني التلاميذ التوجه الى منازلهم من أجل جلب الماء، ولكن بعدها لايجعلني أفكر على الاطلاق على السماح لهم بذلك، كل شيء في طريقه الى التفسخ والانحلال بسبب التعرق والاجهاد والجهد، كثرة المواد وتشعباتها خصوصا عندما يتعلق الامر بالاقسام المشتركة المسندة إلي، رابع وخامس وسادس فرنسية وعربية، ولو كان الوقت يسمح لدرستهم الامازيغية، المحتوى جيد، ولكن الوقت ياكل المدرس، اما مسألة تدبير الزمن المدرسي فهي مجرد جعجعة بلاطحين، خصوصا الاقسام المشتركة، والمضحك والمبكي في نفس الوقت، إن المفتش يناقش الأقسام المشتركة وهو لم يجربها،ولم يسبق له ان درسها…
الهاجرة التي أتت على الاخضر واليابس، حولت تقاسيم الربيع وحلله الموڜاة بالألوان الزاهية الى أرض يباب صفراء امتدت لها السواعد لحصد النظر القليل من الحبوب..
حتى الكلاب هربت من الحر، حاولت ان تستجير بظل جدران متآكلة، أو المكوث حول جنبات البئر، حيث تتسلل بعض نسائم باردة.
الهاجرة الماكرة تعودت على الاستهزاء من الساكنة، تمارس الغواية على أحلامهم وأمانيهم، وحين سالت التلاميذ هل يسافرون في العطلة، لزموا الصمت، وعلمت انهم يعيشون وسط خزان حارق، وبالوعة عميقة المدى سحيقة القعر.
…يتبع